فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرج أحمد عن ابن مسعود قال: أكثر الناس خطايا أكثرهم خوضًا في الباطل.
وأخرج أحمد عن ابن مسعود قال: والذي لا إله غيره ما على الأرض شيء أحوج إلى طول سجن من لسان.
وأخرج ابن عدي عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يصلح الكذب إلا في ثلاث: الرجل يرضي امرأته، وفي الحرب، وفي صلح بين الناس».
وأخرج البيهقي عن النواس بن سمعان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الكذب لا يصلح إلا في ثلاث: الحرب فإنها خدعة، والرجل يرضي امرأته، والرجل يصلح بين اثنين».
وأخرج البيهقي عن أسماء بنت يزيد قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يصلح الكذب إلا في ثلاث: الرجل يكذب لامرأته لترضى عنه، أو إصلاح بين الناس، أو يكذب في الحرب».
وأخرج البيهقي عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما من عمل ابن آدم شيء أفضل من الصدقة، وصلاح ذات البين، وخلق حسن».
وأخرج البيهقي عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الصدقة صلاح ذات البين».
وأخرج البيهقي عن أبي أيوب قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أبا أيوب ألا أخبرك بما يعظم الله به الأجر ويمحو به الذنوب؟ تمشي في إصلاح الناس إذا تباغضوا وتفاسدوا، فإنها صدقة يحب الله موضعها».
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي والبيهقي عن أم كلثوم بنت عقبة «أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ليس الكذاب بالذي يصلح بين الناس فينمي خيرًا أو يقول خيرًا، وقالت: لم أسمعه يرخص في شيء مما يقوله الناس إلا في ثلاث: في الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته، وحديث المرأة زوجها».
وأخرج أحمد وأبو داود والترمذي وصححه والبيهقي عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أخبركم بأفضل من درجات الصيام والصلاة والصدقة؟ قالوا: بلى. قال: إصلاح ذات البين. قال: وفساد ذات البين هي الحالقة».
وأخرج البيهقي عن أبي أيوب «أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: يا أبا أيوب ألا أدلك على صدقة يرضى الله ورسوله موضعها؟ قال: بلى. قال: أن تصلح بين الناس إذا تفاسدوا، وتقرب بينهم إذا تباعدوا».
وأخرج البزار عن أنس «أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي أيوب: ألا أدلك على تجارة؟ قال: بلى. قال: تسعى في صلح بين الناس إذا تفاسدوا، وتقرب بينهم إذا تباعدوا».
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن عبد الله بن حبيب بن أبي ثابت قال: كنت جالسًا مع محمد بن كعب القرظي، فأتاه رجل فقال له القوم: أين كنت؟ فقال: أصلحت بين القوم، فقال محمد بن كعب: أصبت لك مثل أجر المجاهدين، ثم قرأ {لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس}.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان في قوله: {ومن يفعل ذلك} تصدق أو اقرض أو اصلح بين الناس.
وأخرج أبو نصر السجري في الإبانة عن أنس قال: «جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله أنزل عليّ في القرآن يا أعرابي {لا خير في كثير من نجواهم} إلى قوله: {فسوف نؤتيه أجرًا عظيمًا} يا أعرابي الأجر العظيم: الجنة. قال الأعرابي: الحمد لله الذي هدانا للإسلام». اهـ.

.تفسير الآية رقم (115):

قوله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

.قال البقاعي:

ولما رتب سبحانه وتعالى الثواب العظيم على الموافقة، رتب العقاب الشديد على المخالفة والمشاققة، ووكل المخالف إلى نفسه بقوله تعالى: {ومن يشاقق الرسول} أي الكامل في الرسلية، فيكون بقلبه أو شيء من فعله في جهة غير جهته على وجه المقاهرة، وعبر بالمضارع رحمة منه سبحانه بتقييد الوعيد بالاستمرار، وأظهر القاف إشارة إلى تعليقه بالمجاهرة، ولأن السياق لأهل الأوثان وهم مجاهرون، وقد جاهر سارق الدرعين الذي كان سببًا لنزول الآية في آخر قصته- كما مضى.
ولما كان في سياق تعليم الشريعة التي لم تكن معلومة قبل الإيحاء بها، لا في سياق الملة المعلومة بالعقل، أتى بمن تقييدًا للتهديد بما بعد الإعلام بذلك فقال: {من بعد ما} ولو حذفت لفهم اختصاص الوعيد بمن استغرق زمان البعد بالمشاققة.
ولما كان ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم في غاية الظهور قال: {تبين له الهدى} أي الدليل الذي هو سببه.
ولما كان المخالف للإجماع لا يكفر إلا بمنابذة المعلوم بالضرورة، عبر بعد التبين بالاتباع فقالك {ويتبع غير سبيل} أي طريق {المؤمنين} أي الذين صار الإيمان لهم صفة راسخة، والمراد الطريق المعنوي، وجه الشبه الحركة البدنية الموصلة إلى المطلوب في الحسي، والنفسانية في مقدمات الدليل الموصل إلى المطلوب في المعنوي {نوله} أي بعظمتنا في الدنيا والآخرة {ما تولى} أي نكله إلى ما اختار لنفسه وعالج فيه فطرته الأولى خذلانًا منا له {ونصله} أي في الآخرة {جهنم} أي تلقاه بالكراهة والغلظة والعبوسة كما تجهم أولياءنا وشاققهم.
ولما كان التقدير: فهو صائر إليها لا محالة، بين حالها في ذلك فقال: {وساءت مصيرًا} وهذه الآية دالة على أن الإجماع حجة لأنه لا يتوعد إلا على مخالفة الحق، وكذا حديث: «لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله- وفي رواية: ظاهرين على الحق- حتى يأتي أمر الله» رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم من الصحابة رضي الله تعالى عنهم ثوبان والمغيرة وجابر بن سمرة وجابر بن عبد الله ومعاوية وأنس وأبو هريرة، بعض أحاديثهم في الصحيحين، وبعضها في السنن، وبعضها في المسانيد، وبعضها في المعاجيم وغير ذلك؛ ووجه الدلالة أن الطائفة التي شهد لها النبي صلى الله عليه وسلم بالحق في جملة أهل الإجماع والله سبحانه وتعالى الموفق. اهـ.

.قال الفخر:

اعلم أن تعلق هذه الآية بما قبلها هو ما روي أن طعمة بن أبيرق لما رأى أن الله تعالى هتك ستره وبرأ اليهودي عن تهمة السرقة ارتد وذهب إلى مكة ونقب جدار إنسان لأجل السرقة فتهدم الجدار عليه ومات فنزلت هذه الآية.
أما الشقاق والمشاققة فقد ذكرنا في سورة البقرة أنه عبارة عن كون كل واحد منهما في شق آخر من الأمر، أو عن كون كل واحد منهما فاعلًا فعلًا يقتضي لحوق مشقة بصاحبه، وقوله: {مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الهدى} أي من بعد ما ظهر له بالدليل صحة دين الإسلام.
قال الزجاج: لأن طعمة هذا كان قد تبين له بما أوحى الله تعالى من أمره وأظهر من سرقته ما دلّه ذلك على صحة نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم، فعادى الرسول وأظهر الشقاق وارتد عن دين الإسلام، فكان ذلك إظهار الشقاق بعد ما تبين له الهدى، قوله: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ المؤمنين} يعني غير دين الموحدين، وذلك لأن طعمة ترك دين الإسلام واتبع دين عبادة الأوثان.
ثم قال: {نُوَلّهِ مَا تولى} أي نتركه وما اختار لنفسه، ونكله إلى ما توكل عليه.
قال بعضهم: هذا منسوخ بآية السيف لاسيما في حق المرتد.
ثم قال: {وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ} يعني نلزمه جنهم، وأصله الصلاء وهو لزوم النار وقت الاستدفاء {وَسَاءتْ مَصِيرًا} انتصب {مَصِيرًا} على التمييز كقولك: فلان طاب نفسًا، وتصبب عرقًا. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الجصاص:

قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ يُشَاقِقْ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى} الْآيَةَ.
فَإِنَّ مُشَاقَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُبَايَنَتُهُ وَمُعَادَاتُهُ بِأَنْ يَصِيرَ فِي شِقٍّ غَيْرِ الشِّقِّ الَّذِي هُوَ فِيهِ، وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {إنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} هُوَ أَنْ يَصِيرَ فِي حَدٍّ غَيْرِ حَدِّ الرَّسُولِ، وَهُوَ يَعْنِي مُبَايَنَتَهُ فِي الِاعْتِقَادِ وَالدِّيَانَةِ.
وَقَالَ: {مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى} تَغْلِيظًا فِي الزَّجْرِ عَنْهُ وَتَقْبِيحًا لِحَالِهِ وَتَبْيِينًا لِلْوَعِيدِ فِيهِ؛ إذْ كَانَ مُعَانِدًا بَعْدَ ظُهُورِ الْآيَاتِ وَالْمُعْجِزَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى صِدْقِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَرَنَ اتِّبَاعَ غَيْرِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ إلَى مُبَايَنَةِ الرَّسُولِ فِيمَا ذُكِرَ لَهُ مِنْ الْوَعِيدِ، فَدَلَّ عَلَى صِحَّةِ إجْمَاعِ الْأُمَّةِ لِإِلْحَاقِهِ الْوَعِيدَ بِمَنْ اتَّبَعَ غَيْرَ سَبِيلِهِمْ.
وَقَوْلُهُ: {نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى} إخْبَارٌ عَنْ بَرَاءَةِ اللَّهِ مِنْهُ وَأَنَّهُ يَكِلُهُ إلَى مَا تَوَلَّى مِنْ الْأَوْثَانِ وَاعْتَضَدَ بِهِ، وَلَا يَتَوَلَّى اللَّهُ نَصْرَهُ وَمَعُونَتَهُ. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَمَن يُشَاقِقِ الرسول} أي يخالفه من الشق فإن كلًا من المتخالفين في شق غير شق الآخر، ولظهور الانفكاك بين الرسول ومخالفه فك الإدغام هنا، وفي قوله سبحانه في الأنفال (13): {وَمَن يُشَاقِقِ الله وَرَسُولَهُ} رعاية لجانب المعطوف، ولم يفك في قوله تعالى في الحشر (4): {وَمَن يُشَاقّ الله} وقال الخطيب: في حكمة الفك والإدغام أن أل في الاسم الكريم لازمة بخلافها في الرسول، واللزوم يقتضي الثقل فخفف بالإدغام فيما صحبته الجلالة بخلاف ما صحبه لفظ الرسول، وفي آية الأنفال صار المعطوف والمعطوف عليه كالشيء الواحد، وما ذكرناه أولى، والتعرض لعنوان الرسالة لإظهار كمال شناعة ما اجترءوا إليه من المشاقة والمخالفة، وتعليل الحكم الآتي بذلك، والآية نزلت كما قدمناه في سارق الدرع أو مودعها، وقيل: في قوم طعمة لما ارتدوا بعد أن أسلموا، وأيًا مّا كان فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب فيندرج فيه ذلك وغيره من المشاقين.
{مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الهدى} أي ظهر له الحق فيما حكم به النبي صلى الله عليه وسلم أو فيما يدعيه عليه الصلاة والسلام بالوقوف على المعجزات الدالة على نبوته {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ المؤمنين} أي غير ما هم مستمرون عليه من عقد وعمل فيعم الأصول والفروع والكل والبعض {نُوَلّهِ مَا تولى} أي نجعله واليًا لما تولاه من الضلال ويؤول إلى أنا نضله، وقيل: معناه (نخذله بأن) نخل بينه وبين ما اختاره لنفسه، وقيل: نكله في الآخرة إلى ما اتكل عليه وانتصر به في الدنيا من الأوثان {وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ} أي ندخله إياها، وقد تقدم.
وقرئ بفتح النون من صلاه {وَسَاءتْ مَصِيرًا} أي جهنم أو التولية. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وسَبيل كلّ قوم طريقتهم التي يسلكونها في وصفهم الخاصّ، فالسبيل مستعار للاعتقادات والأفعال والعادات، التي يلازمها أحد ولا يبتغي التحوّل عنها، كما يلازم قاصد المكان طريقًا يبلغه إلى قصده، قال تعالى: {قل هذه سبيلي} [يوسف: 108] ومعنى هذه الآية نظير معنى قوله: {إنّ الذين كفروا وصدّوا عن سبيل الله وشاقّوا الرسول من بعد ما تبيّن لهم الهدى لن يضروا الله شيئًا وسيحبط أعمالهم} [محمد: 32]، فمن اتّبع سبيل المؤمنين في الإيمان واتّبع سبيل غيرهم في غير الكفر مثل اتّباع سبيل يهود خبير في غراسة النخيل، أو بناء الحصون، لا يحسن أن يقال فيه اتّبع غير سبيل المؤمنين.
وكأنّ فائدة عطف اتّباع غير سبيل المؤمنين على مشاقّة الرسول الحَيطةُ لحفظ الجامعة الإسلامية بعد الرسول، فقد ارتدّ بعض العرب بعد الرسول صلى الله عليه وسلم وقال الحُطيئة في ذلك:
أطعنا رسولَ اللَّه إذ كان بيننا ** فيا لعباد الله ما لأبي بكر

فكانوا ممّن اتّبع غير سبيل المؤمنين ولم يُشَاقّوا الرسول.
ومعنى قوله: {نوله ما تولى} الإعراض عنه، أي نتركه وشأنه لقلّة الاكتراث به، كما ورد في الحديث: «وأمّا الآخر فأعرض الله عنه». اهـ.